massinissa_mehdi
عدد المساهمات : 84 تاريخ التسجيل : 10/10/2010
| موضوع: Җالــحضـارة المـصــريــة الأمــازيــغيــة Җ جــ 3 ــزء الإثنين نوفمبر 15, 2010 9:18 pm | |
|
Җالــحضـارة المـصــريــة الأمــازيــغيــة Җ جــ 3 ــزء
لاحظ أن هيرودوت ينقل إلينا أراء المصريين القدماء، الذين يقولون بأن الدلتا حديثة التكوين. وبربطنا ذلك مع ما جاء به المؤرخون الأيونيون الذين سبقوه، وهو يقصد ما رواه سلفه (هيكاتيه المالطي) [13]، في أن الدلتا وحدها هي مصر وأن بقية الأراضي، المعروفة بالمصرية فيما بعد، هي جزء من ليبيا (أمازيغية) وجزء من بلاد العرب، سنستنتج معه ما يبدو طبيعيا ومنطقيا، ألا وهو أن المصريين القدماء لم يكن لهم وطن فيما مضى. وفي نفس الوقت نلاحظ أن باقي الأرض، التي قال بأنها ليبية، من الطبيعي أنها كانت مسكونة من طرف الأمازيغ. إذا جمعنا هذه المسألة مع هذا الاستنتاج الأولي، الذي خلص إليه هيرودوت، فإن هذا يعني أن أرض الدلتا كانت خالية في حين كانت بلاد ليبيا مأهولة. سيلاحظ القارئ بأنني غفلت الجزء الذي يقول هيرودوت بأنه من بلاد العرب، وذلك لأننا بصدد دراسة التشابه والتفاعل القائمين بين الفراعنة والأمازيغ، فبما أننا لم نجد ما يدل على العروبة في أرض النيل، بينما نجد كما هائلا من مظاهر التشابه بين الأمازيغ والفراعنة، كان من الطبيعي أن يتركز البحث في موضوع العلاقة بين الأمازيغ وأرض النيل. إذن فلقد وجدنا أن الدلتا وحدها هي مصر (بالنسبة إلى المؤرخ القديم) وأن باقي الأراضي هي ليبية (أمازيغية). وقلنا بأن هذا يعني أن الدلتا كانت خالية. فلنلاحظ أن هيرودوت يضم اعتقاده إلى ما قاله المصريون القدماء، ألا وهو أن الدلتا أرض طميية وأنها حديثة التكون ولهذا ترك هيرودوت سؤاله مطروحا هنا، أي ما دام المصريون القدماء يؤكدون هذه المعطيات التاريخية فلماذا يعتقدون، أو بالأحرى يدعون، بأنهم أقدم شعوب العالم؟
إذا تأملنا جيدا سنجد بأن سؤال هيرودوت لا يبدو دقيقا، منذ الوهلة الأولى، وذلك لأن ادعاء المصريين القدماء بأنهم من أقدم شعوب الأرض لا يتنافى مع كون الدلتا حديثة التكوين، لأنهم لم يقولوا بأنهم كانوا يعيشون في الدلتا منذ بدء الخليقة وأنهم (فيها) أقدم شعوب العالم، وبالتالي فإن أقدميتهم لا تعني أقدمية الدلتا بالضرورة. إذن فإن سؤال هيرودوت كان يتضمن علاقة المصري القديم بأرض الدلتا وما دامت هذه الأخيرة حديثة التكوين، لأنها أرض طميية، فهذا يعني (حسب استنتاجه الأولي ) بأن المصري القديم هو حديث العهد بها أيضا. وهذا ما أدركه بعد ذلك، وإن عبر عنه بشكل خافت، إذ يقول:
“ومهما يكون من أمر فأنا لا أصدق أبدا أن المصريين وجدوا في نفس الوقت الذي تكونت فيه الدلتا التي يسميها الأيونيون “مصر” بل هم قد عاشوا دائما منذ بدء الخليقة البشرية. ولما أخذت بلادهم في الامتداد بقي الكثير منهم في الوراء، بينما انحدر الكثيرون تدريجيا إلى الأرض الجديدة، وأيا كان الأمر فقد كانت طيبة التي بلغ محيطها 6120 ستاد تسمى منذ القدم “مصر” ” [14] من الواضح أن كلام هيرودوت يشير إلى انتقال ما إلا أنه كان غامضا ولم يوضح لنا ماذا يقصد بقوله “بقي الكثير منهم في الوراء” وكأنه لا يهمه سوى أن يتحدث عن المصري القديم داخل مصر بغض النظر عن التطرق إلى مسألة الأصول والجذور. وبعد ذلك يذوب كلامه كالملح عندما يلقي بثقل الأقدمية المصرية على “طيبة” فهذا يوضح تعبه في استغوار ما تيسر من أقدمية المصري القديم في أرض النيل عندما يعيده إلى طيبة وكأنها قديمة جدا برأيه. يقول أحمد بدوي في شأن حديث هيرودوت عن طيبة هنا ” أكبر الظن أن يكون ذلك أثرا من آثار الدور الهائل الذي ملأ به الزمن أسماع الدنيا من شهرة “طيبة” وذكراها الخالدة منذ نهضتها المعروفة إبان الثورة على الهكسوس” [15] كما ينفي أن يكون لاسم “مصر” صلة بطيبة. إذا كانت شهرة هذه الأخيرة تعود إلى العصر الذي تم فيه طرد الهكسوس من مصر فهي إذن حديثة ولا يجوز بأي حال من الأحوال أن نقول بأنها قديمة بالشكل الذي يميل إليه المؤرخ هيرودوت. إن ما يجوز أخذه من كلام هذا الأخير، في هذا الصدد وفقا للمنطق السليم، هو أن الدلتا حديثة التكوين وكفى. أما المصري القديم (سواء كان من أقدم أو من أحدث شعوب العالم) فقد انتقل إليها من مكان آخر إلا أن هذا لا يمنع أن تكون طيبة قديمة أو غير ذلك فنحن نحلل ما هو أمامنا فحسب ونقول بأن هيرودوت لم يكن دقيقا هنا. على كل حال نستشف من الاستنتاجات التي توصل إليها أنه يكاد يصرح بأن الليبيين (الأمازيغ) هم الذين نزحوا إلى هذه الأرض التي اتفقنا على أنها جديدة، ومن المحتمل أنه يقصد أن الإنسان المصري جاء من طيبة وتوجه شمالا. وسواء كان الأمر كذلك أم لا أعتقد بأنه يقربنا كثيرا من هذا الاستنتاج، وإلا فمن هم هؤلاء الذين انحدروا إلى الأرض الجديدة (الدلتا) ما دامت غير مأهولة من قبل وما دامت الأراضي المصرية الأخرى هي جزء من ليبيا؟. لنساير قليلا اجتهادات هيرودوت الشخصية إذ يقول: “أما إذا كان رأي الأيونيين صحيحا فأحب أن أبين أن اليونانيين والأيونيين بالذات لا يفقهون حسابا حين يزعمون أن العالم جميعه من ثلاثة أجزء، أوروبا وآسيا وليبيا إذ يجب عليهم أن يضيفوا إلى ذلك رابعا وهو دلتا “مصر” ذلك لأنها إذا لم تكن جزء من آسية ولا جزء من ليبيا. لأن النيل في الواقع على هذا الحساب، ليس هو الذي يفصل آسية عن ليبيا ولكن عند رأس هذه الدلتا يتفرع النيل فرعين بحيث تصبح مشاعا بين آسيا وليبيا.”[16]
أول ما يمكن استشفافه من هذا الكلام أن المؤرخين اليونان وغيرهم، قبل زمن هيرودوت، كانوا يرون ليبيا أكثر حضورا من مصر، على مسرح التاريخ، سواء كان السبب في ذلك علمهم الواسع أم جهلهم المدقع. وربما كان للجهل نصيب في هذا الكلام والحق أنهم أطلقوا ليبيا على كل ما أدركوه من شمال أفريقيا ولا يستبعد أن نقول بأنهم لم يدركوا من أفريقيا غير هذا الشمال. على كل حال لو كانت مصر أكثر حضورا آنذاك لكانت قد فرضت نفسها عليهم. فهذا واضح في كلام هيرودوت. بل يبدو من كلام هذا الأخير وكأنه أراد أن يؤكد اكتشافه لمصر بالنسبة للإغريق القدماء. حتى وإن لم تكن آنذاك بلاد الأمازيغ في حضارة تفرض على هؤلاء المؤرخين أن يعتبروها الجزء الثالث من هذا العالم فأعتقد أن شساعة أرضها كانت السبب الأساسي وأنه يكاد يكون واضحا بأنهم كانوا يعتبرون مصر جزء من تمازغا (ليبيا) التي تعتبر بلدا عملاقا بالنسبة إلى أرض مصر.
13] المرجع السابق، ص88 الهامش رقم 3
[14] المرجع السابق، ص90
[15] المرجع السابق، ص90، الهامش 3
[16] المرجع السابق، ص 91
سعـــــيد بودبـوز
| |
|