أزول فلاون .. السلام عليكم
أعضاء و زوار منتدى قضايا ايمي ن تانوت مرحبا بكم
الشخصيات الثقافية الأمازيغية القديمة
- الأدباء الأمازيغيون:
- الروائي أبوليوس أو أفولاي:
نشأ لوكيوس أبوليوس أو أبوليوس الماضوري في أسرة أرستقراطية في مدينة مـداوروش بالجزائر قرب سوق هراس سنة 125م. إذ كان أبوه أحد الحاكمين الاثنين في أوائل القرن الثاني في هذه المنطقة، و كان أبوليوس أشهر كتاب و شعراء هذا العهد.
لقد درس هذا الأديب الأمازيغي الأصل بقرطاج، حيث أخذ من كل الفنون بطرف، و كانت هذه المدينة الإفريقية عاصمة فكرية و سياسية في آن معا، و نبغ فيها هذا الأديب، وتخصص في المسرح و نبغ فيه إذ كان القرطاجيون يهتفون به في المسرح، و كان يقول لهم:” إني لا أرى في مدينتكم إلا رجالا كرعوا من مناهل الثقافة، وتبحروا في جميع العلوم: أخذوا العلم صغارا، و تحلوا به شبانا ودرسوه شيوخا، إن قرطاج لهي المدرسة المقدسة في مقاطعتنا، و هي عروس الشعر في إفريقية، و هي أخيرا، ملهمة الطبقة التي تلبس الحلة”(13). وقد تابع أبوليوس دراساته العليا في اليونان ( أثينا) وإيطاليا و آسيا الصغرى، و لقد أعجب بالفلسفة السوفسطائية ، و الفلسفة الأفلاطونية المحدثة، والفلسفات ذات الطبيعة الصوفية الروحانية التي تضمن للمؤمنين حياة أبدية سعيدة(14).
و بعد عودته الى بلده، اتهم هناك بممارسة السحر، فدافع عن نفسه بصلابة، و ألف في الموضوع كتابا عنوانه:” في السحرMagicae.”(15).و سبب هذه التهمة أنه صادف أثناء إقامته في طرابلس أن وقع في مغامرة غريبة،” ذلك أنه ما أن تزوج من أم أحد أصدقائه، و كانت إلى ذلك الوقت ممتنعة امتناعا شديدا من التزوج ثانية، حتى اتهم بأنه سحرها، و قد أخذ أحد المحامين على نفسه، أن يقيم الدليل على أن يدافع عن نفسه دفاعا رائعا. لم يكن كله مقتنعا و أنحى على خصومه باللائمة، لأنهم خلطوا بين الفلسفة و السحر، و قد حرر خطابه بعد ذلك في صيغة إيجابية، فأصبح يعرف بالأبولوجيا (Apologie)(16).
و لم تعق هذه التهمة مسيرته الفكرية، إذ سرعان ما توجه إلى قرطاج لممارسة العلم و تلقين الدروس لطلبة الثقافة و الأدب، فأصبح قبلة الأنظار في هذه المدينة، و المحاضر المحبوب الذي يعالج جميع المواضيع وخاصة الفلسفية منها (17).
وعليه، فلقد نعت أبوليوس بمواصفات عدة، إذ كان غريب الأطوار و كثير المتناقضات فهو جدي و طائش و متطير و شاك و معجب بنفسه، و كان يدافع عن” المستضعفين” كثيرا.
و كان أبوليوس كاتبا مرموقا في عصره بين أدباء الثقافة العالمية، إذ نافس اللاتينيين و الرومانيين و اليونانيين على الرغم من تأثره بهم خلقا وتناصا ولاسيما في روايته الفانطاستيكية التي ألفها في أحد عشر جزءا، و بها وضعه تاريخ الفكر في مصاف كبار الكتاب العالميين الخالدين في كتابه ذاك الذي يسمى “التقمصات Les métamorphoses أو الحمار الذهبي (18)، علاوة على كونه مسرحيا و شاعرا كبيرا خاصة في ديوانه (الأزاهير) Florides ، وهو عبارة عن مقتطفات شعرية ألقاها في قرطاج وقد ترجمها إلى اللغة العربية الدكتور فهمي خشيم . ويضم هذا الديوان ثلاثا و عشرين قطعة من خطاباته تتفاوت طولا وقصرا، جمعها أحد المعجبين به” كباقة” جمعت أجمل زهور بلاغته، و كان يتبجح فيها بأنه يتقن الفنون على اختلافها، وكان يتوجه لمساعد القنصل في شيء من الخيلاء البريئة قائلا:” أعترف بأني أوثر من بين الآلات شق القصب البسيط، أنظم به القصائد في جميع الأغراض الملائمة لروح الملحمة، أو فيض الوجدان، لمرح الملهاة أو جلال المأساة، و كذلك لا أقصر لا في الهجاء و لا في الأحاجي و لا أعجز عن مختلف الروايات، و الخطب يثني عليها البلغاء، و الحوارات يتذوقها الفلاسفة. ثم ماذا بعد هذا كله؟إني أنشئ في كل شيء سواء باليونانية أم باللاتينية بنفس الأمل ونفس الحماس و نفس الأسلوب”(19).
وقد أطلقت على روايته الغرائبية (الحمار الذهبي) تسميات عدة من بينها: المسوخ Les métamorphoses ، وقصة المسخ كما عند حميد لحمداني، أو “الحمار الذهبي” ( أو التحولات ) كما عند عمار الجلاصي، أو الحمار الذهبي فحسب كما لدى أبو العيد دودو ، أو” تحولات الجحش الذهبي” كما عند فهمي علي خشيم. وأسميها – شخصيا- رواية” الحمار الوردي”، لأن كلمة الورد أو الوردي تتكرر مرارا في متن الرواية، إذ وصف لوكيوس بأنه وردي البشرة، ووصفت حبيبته بأنها وردية اليد، والأكثر من ذلك أنه كان يحلم بالورد طيلة فترة تحوله، ويفر كلما رأى الورد أو ما يشبه الورد لأنه يجسم الخلاص بالنسبة إليه. وهناك من ترجم هذه الرواية عن اللاتينية كعمار جلاصي وأبو العيد دودو، وهناك من ترجمها عن الإنجليزية كعلي فهمي خشيم.
ومن كتبه الأخرى “دفاع صبراتة” الذي ترجمه الدكتور فهمي علي خشيم، و” في السحر”، و كتاب”شيطان سقراط” وهو عبارة عن كوميديا ساخرة تختلط فيها الفلسفة بالسخرية، وقد شرع الكاتب الليبي فهمي علي خشيم في ترجمته إلى اللغة العربية.
هذا، وقد ظهرت قصة أبوليوس في مسخ الإنسان إلى حيوان ثم عودته الى حالته الأولى في أواخر القرن الأول بعد الميلاد أي حوالي سنة 170 م في قرطاج، و راوي هذه القصة هو لوسيــان حيث حوّل البطل لوكسيوس إلى حمار الذي سيعود إلى صورته الآدمية الأولى بعد مغامرات عديدة تتخللها قصص جزئية متداخلة، تضمينا و تشويقا وتوليدا كقصة “بسيشـية وكوبيـدون” الرائعة في أبعادها الفاطاستيكية والأخلاقية.
وتتميز رواية “الحمار الذهبي” بطابع ملحمي و فانطاستيكي غريب، حيث تعتمد على فكرة المسخ و تحويل الكائن البشري الى حيوانات أو أشياء على غرار الإبداعات اليونانية . إذ يتحول لوكسيوس في هذه الرواية إلى حمار بسبب خطإ حبيبته فوتيس التي كان يحبها لوكيوس كثيرا حينما ناولته مادة دهنية في ملك سيدتها بامفيلا زوجة ميلون التي تمارس السحر في غرفتها السرية، وبهذه المادة يتحول الكائن البشري إلى أنواع من الطيور والكائنات الخارقة التي تجمع بين الغرابة والتعجيب. وعندما سمع لوكيوس الشاب أسرار سحر هذه المرأة دفعه تطفله وفضوله إلى أن يأمر فوتيس بجلب دهن الساحرة ليجربه قصد التحول إلى طائر لينأى عن الناس ويهاجر حيال عالم المثل بعيدا عن عالم الفساد والانحطاط البشري. بيد أن فوتيس جلبت له مادة دهنية سامة تحوّل الإنسان إلى حمار. و بعد مغامرات صعبة ذاق فيها لوكيوس أنواعا من العذاب والهلاك وتعرف عبرها مكائد البشر وحيلهم يعود إلى حالته الآدمية الإنسانية بعد أن تدخلت الآلهة إيزيس لتجعله راهبا متعبدا وخادما وفيا لها.
ونخلص إلى أن رواية أفولاي “الحمار الذهبي” سواء أكتبت باليونانية أم باللاتينية أم بتيفيناغ، فإنها إبداع عالمي يعبر عن هوية أمازيغية مغاربية نوميدية. وقد أثرت عجائبية هذه الرواية الفانطاستيكية على الأدب القديم والرواية الغربية الحديثة و الرواية العربية المعاصرة ولاسيما المغاربية منها. ولا ننسى أن نقول كذلك بأن هذه الرواية من أقدم الروايات الأمازيغية التي تحسب على الأدب الأمازيغي لا على الأدب اللاتيني كما يذهب إلى ذلك إميـل فاگيـهFaguet في كتابه “مدخل إلى الأدب” الذي حاول أن يطمس أمازيغية هذه الرواية ذات الشهرة العالمية ليلصق عليها الهوية اللاتينية ليجرد الأمازيغيين من كل الفضائل الإيجابية و مهارات الابتكار و الإبداع و لينسبها إلى اللاتينيين والرومان. ولم تقف هذه الرواية عند عتبة التقليد و استلهام الخرافة اليونانية، بل كانت آية في الروعة و الخلق والتناص و الإبداع العالمي قصة وصياغة وسردا.
تقبلوا تحيات و تقدير massinissa mehdi